فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والظاهر أن معنى البيت: القصد إلى النار لا النظر إليها ببصر ضعيف كما قال الخليل، فيكون دليلًا على ما قدّمنا من أنه يأتي بمعنى: القصد، وبمعنى: الإعراض، وهكذا ما أنشده الخليل مستشهدًا به على ما قاله من قول الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ** تجد خير نار عندها خير موقد

فإن الظاهر أن معناه: تقصد إلى ضوء ناره، لا تنظر إليها ببصر ضعيف.
ويمكن أن يقال: إن المعنى في البيتين: المبالغة في ضوء النار، وسطوعها، بحيث لا ينظرها الناظر إلاّ كما ينظر من هو معشي البصر لما يلحق بصره من الضعف عند ما يشاهده من عظم وقودها.
وقال أبو عبيدة، والأخفش: إن معنى {وَمَن يَعْشُ}: ومن تظلم عينه، وهو نحو قول الخليل، وهذا على قراءة الجمهور: {ومن يعش} بضم الشين من عشا يعشو.
وقرأ ابن عباس، وعكرمة: (ومن يعش) بفتح الشين، يقال: عشي الرجل يعشى عشيًا: إذا عمى، ومنه قول الأعشى:
رأت رجلًا غايب الوافديـ ** ـن مختلف الخلق أعشى ضريرا

وقال الجوهري: والعشا مقصور، مصدر الأعشى: وهو الذي لا يبصر بالليل، ويبصر بالنهار، والمرأة عشواء.
وقرىء: (يعشو) بالواو على أن (من) موصولة غير متضمنة معنى الشرط.
قرأ الجمهور: {نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَانًا} بالنون وقرأ السلمي، وابن أبي إسحاق، ويعقوب، وعصمة عن عاصم، والأعمش بالتحتية مبنيًا للفاعل، وقرأ ابن عباس بالتحتية مبنيًا للمفعول ورفع شيطان على النيابة {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} أي: ملازم له لا يفارقه، أو هو ملازم للشيطان لا يفارقه، بل يتبعه في جميع أموره، ويطيعه في كلّ ما يوسوس به إليه {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل} أي: وإن الشياطين الذين يقيضهم الله لكلّ أحد ممن يعشو عن ذكر الرحمن كما هو معنيّ من {ليصدّونهم}، أي: يحولون بينهم، وبين سبيل الحق، ويمنعونهم منه، ويوسوسون لهم أنهم على الهدى حتى يظنون صدق ما يوسوسون به، وهو معنى قوله: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} أي: يحسب الكفار أن الشياطين مهتدون، فيطيعونهم، أو يحسب الكفار بسبب تلك الوسوسة أنهم في أنفهسم مهتدون {حتى إِذَا جَاءنَا} قرأ الجمهور بالتثنية، أي: الكافر والشيطان المقارن له، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص بالإفراد أي: الكافر، أو جاء كلّ واحد منهما {قال} الكافر مخاطبًا للشيطان: {ياليت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} أي: بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب المشرق على المغرب.
قال مقاتل: يتمنى الكافر أن بينهما بعد مشرق أطول يوم في السنة من مشرق أقصر يوم في السنة، والأوّل أولى، وبه قال الفراء {فَبِئْسَ القرين} المخصوص بالذم محذوف، أي: أنت أيها الشيطان.
{وَلَن يَنفَعَكُمُ اليوم} هذا حكاية لما سيقال لهم يوم القيامة {إِذ ظَّلَمْتُمْ} أي: لأجل ظلمكم أنفسكم في الدنيا، وقيل: إن (إذ) بدل من اليوم؛ لأنه تبين في ذلك اليوم أنهم ظلموا أنفسهم في الدنيا.
قرأ الجمهور: {أَنَّكُمْ في العذاب مُشْتَرِكُونَ} بفتح أن على أنها وما بعدها في محلّ رفع على الفاعلية، أي: لن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب.
قال المفسرون: لا يخفف عنهم بسبب الاشتراك شيء من العذاب؛ لأن لكلّ أحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر منه.
وقيل: إنها للتعليل لنفي النفع، أي: لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه في الدنيا، ويقوّي هذا المعنى قراءة ابن عامر على اختلاف عليه فيها بكسر إن.
ثم ذكر سبحانه أنها لا تنفع الدعوة والوعظ من سبقت له الشقاوة، فقال: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصم أَوْ تَهْدِى العمى} الهمزة لإنكار التعجب، أي: ليس لك ذلك، فلا يضيق صدرك إن كفروا، وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإخبار له أنه لا يقدر على ذلك إلاّ الله عزّ وجلّ، وقوله: {وَمَن كَانَ في ضلال مُّبِينٍ} عطف على العمي، أي: إنك لا تهدي من كان كذلك، ومعنى الآية: أن هؤلاء الكفار بمنزلة الصمّ الذين لا يعقلون ما جئت به، وبمنزلة العمي الذين لا يبصرونه لإفراطهم في الضلالة، وتمكنهم من الجهالة {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} بالموت قبل أن ينزل العذاب بهم {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} إما في الدنيا، أو في الآخرة، وقيل: المعنى: نخرجنك من مكة {أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وعدناهم} من العذاب قبل موتك {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} متى شئنا عذبناهم.
قال كثير من المفسرين: قد أراه الله ذلك يوم بدر.
وقال الحسن، وقتادة: هي في أهل الإسلام يريد ما كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن، وقد كان بعد النبي فتنة شديدة، فأكرم الله نبيه، وذهب به، فلم يره في أمته شيئًا من ذلك، والأوّل أولى.
{فاستمسك بالذى أُوحِىَ إِلَيْكَ} أي: من القرآن، وإن كذّب به من كذّب {إِنَّكَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} أي: طريق واضح، والجملة تعليل لقوله: {فاستمسك} {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} أي: وإن القرآن لشرف لك، ولقومك من قريش إذ نزل عليك، وأنت منهم بلغتك، ولغتهم، ومثله قوله: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10]، وقيل: بيان لك، ولأمتك فيما لكم إليه حاجة.
وقيل: تذكرة تذكرون بها أمر الدين، وتعملون به {وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} عما جعله الله لكم من الشرف، كذا قال الزجاج، والكلبي، وغيرهما.
وقيل: يسئلون عما يلزمهم من القيام بما فيه، والعمل به {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن ءالِهَةً يُعْبَدُونَ} قال الزهري، وسعيد بن جبير، وابن زيد: إن جبريل قال ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به.
فالمراد: سؤال الأنبياء في ذلك الوقت عند ملاقاته لهم، وبه قال جماعة من السلف.
وقال المبرد، والزجاج، وجماعة من العلماء: إن المعنى: واسأل أمم من قد أرسلنا.
وبه قال مجاهد، والسدّي، والضحاك، وقتادة، وعطاء، والحسن.
ومعنى الآية على القولين: سؤالهم هل أذن الله بعبادة الأوثان في ملة من الملل، وهل سوّغ ذلك لأحد منهم؟ والمقصود: تقريع مشركي قريش بأن ما هم عليه لم يأت في شريعة من الشرائع.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن عثمان المخزومي أن قريشًا قالت: قيضوا لكل رجل من أصحاب محمد رجلًا يأخذه، فقيضوا لأبي بكر طلحة بن عبيد الله، فأتاه، وهو في القوم، فقال أبو بكر: إلاّم تدعوني؟ قال: أدعوك إلى عبادة اللات، والعزّى.
قال أبو بكر: وما اللات؟ قال: أولاد الله.
قال: وما العزّى.
قال: بنات الله.
قال أبو بكر: فمن أمهم؟ فسكت طلحة، فلم يجبه، فقال لأصحابه: أجيبوا الرجل، فسكت القوم، فقال طلحة: قم يا أبا بكر أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، فأنزل الله: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن} الآية.
وثبت في صحيح مسلم، وغيره أن مع كل إنسان قرينًا من الجنّ.
وأخرج ابن مردويه عن عليّ في قوله: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} قال: ذهب نبيه صلى الله عليه وسلم، وبقيت نقمته في عدوّه.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {أَوْ نُرِيَنَّكَ الذي وعدناهم} قال: يوم بدر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب من طرق عنه في قوله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} قال: شرف لك، ولقومك.
وأخرج ابن عدّي، وابن مردويه عن عليّ، وابن عباس قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل بمكة، ويعدهم الظهور، فإذا قالوا: لمن الملك بعدك؟ أمسك، فلم يجبهم بشيء؛ لأنه لم يؤمر في ذلك بشيء حتى نزلت: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}، فكان بعد إذا سئل قال: قريش، فلا يجيبونه حتى قبلته الأنصار على ذلك.
وأخرج عبد بن حميد من طريق الكلبي عن ابن عباس في قوله: {وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا} قال: اسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ}.
قوله لبيوتهم، في الموضعين، قرأه ورش وأبو عمرو وحفص، عن عاصم بضم الباء على الأصل.
وقرأه قالون، عن نافع وابن كثير، وابن عامر، وحمزة والكسائي، وشعبة عن عاصم {لبيوتهم} بكسر الباء لمجانسة الكسرة للياء.
وقوله سقفًا: قرأه نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم، سقفًا بضمتين، على الجمع.
وقرأه ابن كثير وأبو عمرو {سقفًا} بفتح السين وإسكان القاف على الإفراد المراد به الجمع.
وقوله: {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} قرأه نافع وابن كثير، وابن عامر، في رواية ابن ذكوان، وإحدى الروايتين عن هشام وأبي عمرو والكسائي {لما متاع الحياة الدنيا} بتخفيف الميم من لما.
وقرأه عاصم، وحمزة وهشام، عن ابن عامر، وفي إحدى الروايتين {لما متاع الحياة الدنيا} بتشديد الميم من لما.
ومعنى الآية الكريمة، أن الله لما بين حقارة الدنيا، وعظم شأن الآخرة في قوله: {وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32].
أتبع ذلك ببيان شدة حقارتها، وأنه جعلها مشتركة، بين المؤمنين، والكافرين وجعل ما في الآخرة من النعيم خاصًا بالمؤمنين، دون الكافرين وبين حكمته في اشتراك المؤمن مع الكافر، في نعيم الدنيا بقوله: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} أي لولا كراهتنا لكون جميع الناس أمة واحدة، متفقة على الكفر، لأعطينا زخارف الدنيا كلها للكفار.
ولكننا لعلمنا، بشدة ميل القلوب إلى زهرة الحياة الدنيا، وحبها لها لو أعطينا ذلك كله للكفار، لحملت الرغبة في الدنيا جميع الناس على أن يكونوا كفارًا، فجعلنا في كل من الكافرين والمؤمنين غنيًا وفقيرًا، وأشركنا بينهم في الحياة الدنيا.
ثم بين جل وعلا اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين في قوله: {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحياة الدنيا والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35].
أي خالصة لهم دون غيرهم.
وهذا المعنى جاء موضحًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في الأعراف: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً يَوْمَ القيامة} [الأعراف: 32].
فقوله: {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا} [الأعراف: 32] أي مشتركة بينهم في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة.
أي خاصة بهم، دون الكفار، يوم القيامة.
إذ لا نصيب للكفار البتة في طيبات الآخرة.
فقوله في آية الأعراف هذه {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا} [الأعراف: 32] صريح في اشتراك المؤمنين مع الكفار في متاع الحياة الدنيا.
وذلك الاشتراك المذكور، دل عليه حرف الامتناع، للوجود الذي هو لولا، في قوله هنا {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً} [الزخرف: 33].
وخصوص طيبات الآخرة، بالمؤمنين المنصوص عليه في آية الأعراف بقوله: {خَالِصَةً يَوْمَ القيامة} [الأعراف: 32] هو الذي أوضحه تعالى في آية الزخرف هذه بقوله: {والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35].
وجميع المؤمنين يدخلون في الجملة في لفظ المتقين لأن كل مؤمن اتقى الشرك بالله.
وما دلت عليه هذه الآيات. من أنه تعالى يعطي الكفار من متاع الحياة الدنيا، دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله. كقوله تعالى: {قال وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النار} [البقرة: 126] وقوله: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان: 24] وقوله تعالى: {يا أيها الناس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ الحياة الدنيا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يونس: 23] وقوله: {قُلْ إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ عَلَى الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدنيا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العذاب الشديد بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} [يونس: 69- 70] والآيات بمثل هذا كثيرة.
وقد بين تعالى في آيات من كتابه، أن إنعامه على الكافرين ليس لكرامتهم عليه، ولكنه للاستدراج، كقوله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم: 44- 45] وقوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أوتوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ القوم الذين ظَلَمُواْ والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [الأنعام: 44- 45] وقوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة حتى عَفَوْاْ وَّقالواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضراء والسراء فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 95] وقوله تعالى: {قُلْ مَن كَانَ فِي الضلالة فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرحمن مَدًّا} [مريم: 75] على أظهر التفسيرين.
وقوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمًَا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: 178] وقوله تعالى: {فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج: 44].
ودعوى الكفار، أن الله ما أعطاهم المال ونعيم الدنيا إلا لكرامتهم عليه واستحقاقهم لذلك، وأنه إن كان البعث حقًا أعطاهم خيرًا منه في الآخرة قد ردها الله عليهم في آيات كثيرة كقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55- 56]، وقوله تعالى: {وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بالتي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [سبأ: 37]، وقوله تعالى: {قالواْ مَآ أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف: 48]، وقوله تعالى: {مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 2] وقوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تردى} [الليل: 11] وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام: 94] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدمنا طرفًا من هذا في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى: {وَلَئِن رُّدِدتُّ إلى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنْقَلَبًا} [الكهف: 36].
ولنرجع إلى تفسير ألفاظ الآية الكريمة. فقوله: {جعلنا} أي صيرنا، وقوله: {لبيوتهم} بدل اشتمال مع إعادة العامل، من قوله لمن يكفر، وعلى قراءة سقفًا بضمتين، فهو جمع سقف، وسقف البيت معروف.
وعلى قراءة سقفًا بفتح السين، وسكون القاف: فهو مفرد أريد به الجمع.
وقد قدمنا في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [الحج: 5] أن المفرد إذا كان اسم جنس. يجوز إطلاقه مرادًا به الجمع وأكثرنا من أمثلة ذلك في القرآن، ومن الشواهد العربية. على ذلك.